imakrn n tafukt حول ديوان عزيز بليليض
الشمس الآفلة – قراءة في ديوان imakrn
n tafukt لعزيز
بليليض
تقديم
في إطار الدينامية الأدبية الأمازيغية التي شهدتها مؤخرا أكادير والمتجسدة
في نشر عدد من الأعمال الأدبية المتنوعة شملت أجناسا مختلفة في النثر والشعر، صدرت
مجموعة شعرية جديدة بعنوان imakrn
n tafukt للشاعر
الشاب عبد العزيز بليليض في حلة أنيقة بسيطة من القطع الصغير بغلاف أبيض يتوسطه
قرص مظلم يراد به تجسيد الشمس المسروقة كما يوحي بذلك عنوان المجموعة.
وقد قدم للمجموعة الأستاذ عبد الله
منتصر باللغة الفرنسية الذي أوضح سياق انبجاس الفعل الكتابي الادبي في الأمازيغية،
وتناول دور الكتابة في بقاء الأدب واستمراره في المجتمعات الحديثة باعتبارها (أي
الكتابة) الشكل المفضل في الاستهلاك الثقافي والتواصل الاجتماعي، كما أشاد بفضلها
في تطوير الأدب الامازيغي، وتوسيع مجال تداوله، وإدماجه في السياق الحداثي
والكوني. ولم يفته التذكير باقتران ظهور الأدب المكتوب في الثقافة الامازيغية بتبلور
الخطاب المطلبي والهوياتي الأمازيغي مما يجعل نصوصه موسومة بتردد وتواتر تيمات
الهوية والحقوق اللغوية والهيمنة الإيديولوجية والثقافية بحيث تحول هذا الأدب إلى
أداة نضالية للتوعية والتحسيس بالمطالب المتعلقة بالهوية، وتشكل كرد فعل على
الهيمنة الثقافية واللغوية التي يرزح تحتها المجتمع الأمازيغي.
التعريف بالشاعر:
يعد الشاعر عبد العزيزبليليض أصغر شاعر أصدر ديوانا في مجال الأدب
الأمازيغي بالمغرب على الأقل، فعمره لا يتعدى 24 سنة، إذ أنه من مواليد سنة 1985
بأورير ضواحي مدينة أكادير من أسرة أمازيغية مناضلة تنحدر من قبيلة إيحاحان، نشأ منذ
طفولته في جو من العمل النضالي والجمعوي بأحضان جمعيتي أورير وتاماينوت، واقتحم
صغيرا مغامرات الكتابة بالأمازيغية، فانخرط في مساحات الإبداع الشعري الذي سرعان
ما تألق فيه، وحصد جوائز عدة في هذا المجال كان آخرها حصوله على جائزة الإبداع
الأمازيغي التي تقدمها القناة الثانية دوزيم سنة 2008.
تحليل العنوان:
يتكون الديوان من 68 صفحة، وتتضمن
المجموعة 33 قصيدة كتبت كلها بالحرف اللاتيني في غياب تام لأي مؤشر بصري أمازيغي،
بحيث لا يفهم تحاشي الشاعر استخدام تيفيناغ ولو على الغلاف لكتابة العنوان.
يستفاد من قراءة نصوص الديوان أن الشمس
تافوكت في العنوان تمثل القيم المفقودة التي يحلم بتحقيقها الشاعر على أرض الواقع،
كما ترمز لمطامحه وآماله الذاتية وتطلعاته الجماعية في ما يتعلق باللغة والهوية
المقصيتين والحقوق الأساسية التي حرم منها الشباب ممن يجايلونه، يسند هذا التأويل
تواتر جملة من الألفاظ المرتبطة بالنور والظلام في النصوص إضافة إلى تكريسه نصا
بأكمله، وهو قصيدة amTTa n tafukt للشمس الغائبة التي غربت بعد أن أعياها الدوران حول عالم أفلت فيه
المثل العليا وقيم الإنسانية والأخوة والمساواة.
يقول الشاعر في هذا السياق:
zuggh
ar km siggilgh a tafukt
ussan ur
uggigh
nn tasga n umadl
nnigh
andaru nm ayann
……
tDrt
flli ar tsmummuyt
rmigh
amuddu
rmigh
kwnt a tifawin
kaygatt
ass ssutlgh i umaDal
ur
afgan
righ t i tagwmat
fkigh
tifawin i kuyan
بين التقليد
والحداثة: أي اختيار
يغلب على نصوص الشاعر نمط الشعر الحر
الخارق لقواعد الوزن والمنفلت من عقال الإيقاع التقليدي على غرار كثير من التجارب
الحديثة التي يقودها ثلة من الشعراء الشباب، وعلى رأسهم عبد الله المناني ومحند
واكرار وحسن لعكير وحنان كاحمو، لكن انخراط الشاعر في هذا التيار لم يمنعه من نظم
بعض القصائد على المنوال التقليدي صورا وإيقاعا وبنية، من قبيل نص تاكات (ص. 23-24)
ونص أوال أمازيغ (ص 41-42)، حيث نقرأ في مطلع النص الأول:
iffuv
uglif v taddart
ifl
tassllit
ifl
d iglifn qqrpn
f tammnt ula atay
tizzwa flnt amccaä
ur
وفي مطلع النص الثاني:
illa
yanv utrs iggi n wul
ur
asafar mas ur
maf ann ur
ur
ula zäarn a yi d ifk asafar i wul
anzgum nm a tamazivt af ukan
allav
ففي هذين النصين على
سبيل المثال استعار الشاعر الصور التقليدية والمألوفة في شعر أسايس أو لدى
الروايس، كما التزم بإيقاع موسيقي احترم فيه إلى حد كبير نظام تالالايت الكلاسيكي،
ولعل هذا الاختيار ينم عن رغبة لدى الشاعر في إعلان انتمائه إلى الحداثة الشعرية
دون القطع مع تراكمات التجارب الشفوية والرصيد التراثي، كأنما يؤكد أن تبنيه
للحداثة ليس وليد عجز عن القرض وفق المعايير الكلاسيكية لقصيدة أسايس بل هو اختيار
مبدئي راسخ وإيمان بحتمية الإبحار في مركب الحداثة فكرا وإبداعا دون الفطام عن
التراث، ويجسد هذه الخلفية على صعيد آخر كون الشاعر يعمد أحيانا إلى الاقتباس
الصريح من الموروث الشفوي أو يسلك سبيل التناص مع شعراء كلاسيكيين أو رواد من
إينضامن وإيماريرن أو حتى الروايس، ونرصد نموذجا ممثلا لهذا التوجه في نص (سيدي
حمو طالب- ص. 18-20) الذي يحتفي فيه بهذا الرمز الشعري التراثي مقتبسا مقاطع كاملة
من بعض نصوصه التي تحفظها الذاكرة الشعبية.
من تيمات النصوص
يحضر المكان بإلحاح في نصوص بليليض
متلفعا تارة بعباءة القبيلة (إيحاحان) وتارة متدثرا بلبوس الجهة أو المحيط السكني
المباشر للشاعر (أكادير/ تاغازوت)، غير أن هذا الانتماء القبلي أو الجهوي المعلن
عنه في سياقات متعددة في نصوص تحمل عناوين هذه الأمكنة صراحة (تاغازوت ، إيحيحي،
أكادير) والمعتد به من قبل الشاعر لا ينبغي أن يجعلنا نتسرع في الحكم عليه
بالقبلية أو التقوقع المحلي أو الجهوي، ذلك أن البعد الوطني والانتماء الهوياتي
الأمازيغي يظل طاغيا على مجمل النصوص تصريحا أو تلميحا ليتجلى في صور متعددة، فقد
تتماهى الهوية مع الأم في أكثر من نص بحيث تتخذ الأم الوالدة البيولوجية بعدا
هوياتيا يجعلها تمثل الأرض واللغة والتاريخ والوطن (في نصوص مثل taddwarit,
immi tahnint,)، أو تحل
المرأة الأمازيغية عموما محل الأم في الأبعاد المذكورة كما هو الشأن في نص (tamTTutt
tamazight)، فضلا عن أن
نصوصا بأكملها قد كرست للمسألة الهوياتية لغة كما هو شأن نص awal amazigh مثلا أو إنسانا بمعانقة آلامه
ومشاركته في معاناته من التهميش والحيف كما نلمس في نص أنفكو anfgu، كما يحضر الوطن (تامازيرت) بكثافة
في الديوان، وقضاياه تشغل وجدان الشاعر في أكثر من نص، فنحن نرصد هذا الحضور في
قصيدة (ص 15) gar amuddu وimi nu(ص 11) وtawargit (ص 37) ونص ad nssdus amzruy(ص 45)، ففي هذا الأخير نقرأ:
ahh a
tamazirt inu
is km
tettugh
wid
gim issukufn ad agh km isstun
فالوطن في نصوص الشاعر كائن جميل متخن
بالجراح بسبب تكالب الأزمات والآفات الاجتماعية وغدر الأهل وخيانة أمانته، فتحول
من حضن دافئ إلى منبت للآلام والبطالة ومدعاة للاغتراب.
والواقع أن هذا الهم الوطني يعد هو
نفسه أحد العوامل التي جعلت تيمة المعاناة ومرارة الحياة تكاد تكون التيمة
المركزية التي تتخلل كل نصوص المجموعة، سواء كانت هذه المعاناة ذات طابع فردي يخص
تجربة الشاعر الشخصية أو كانت تجسد الذات الجماعية للشاعر باعتباره يمثل جماعة
مهمشة بل مقصية اقتصاديا وثقافيا ولغويا بسبب مكر التاريخ وعسف الإيديولوجيات، وقد
تكتسي طابعا أونطولوجيا مرتبطا بجوهر الكينونة الانسانية وكنه الحياة والوجود، بل
إن عبارة الحياة المريرة tudrt irzâgnتكررت
في مرات كثيرة في نصوص الديوان (ص 49- 52-54-56) مما يدل على ملحاحيتها وانهجاس
الشاعر بها، ولاغرو فللشاعر في ديوانه أسئلة تلفح وجدانه، وتقذف به في أتون غربة
عميقة غير مرتبطة بالمكان فحسب او بالثقافة والهوية بل تضرب بجذورها في تلافيف الوجود
نفسه، فتجعل
منه كائنا مثقلا بعبئ الحياة وعذاباتها في صورة سيزيفية مستوحاة من الميث
اليوناني، وهذا ما نقرؤه في الصفحة 46 مثلا:
nusi tudrt f ighir
tZZay
nggummi tumrt n ussan
ونقف على نموذج آخر لهذه العذابات في نص asrfufn حيث قدر للشاعر كما يصور أن يكون
ميلاده في كنف الشقاء، وملاذه في قلب النيران:
tammara
n ussan
nlul
gim
ggh
arraw nm
tskrt
iyi asglf tuZZumt n takat
وفي نص angwmar يستحيل
الشاعر قناصا يطارد الحياة جاريا وراء الأوهام، إنه بمثابة بطل إشكالي يبحث عن قيم
جوهرية مفقودة في عالم متحول، مما يعمق بؤسه، فيعترف بالهزيمة والعجز عن الإمساك بطريدته،
فيقول:
wayyahu nu
nkkin igan anafal
tudrt
tcca nn amtcu
mas ar
sul ttlligh
rmigh
irmi
ufus
ggummigh
km
وإذا اكتست بعض النصوص نفحة تفاؤلية أو
مسحة سعيدة، فلا يلبث القارئ أن يكتشف أنها مجرد أحلام وفانتازمات يكسر بها الشاعر
صلادة الواقع، ويلون بها رماديته، فهي بالتالي قصائد تسبح في آفاق الحلم والممكن
اكثر من تأصلها في سماكة الفعلي المتحقق، وهو ما نقف عليه في نصوص من قبيل tawargit وtawmrt n
ussan
- لغة النص وصوره:
تتميز لغة الديوان بالبساطة وسعة تداول
الألفاظ الموظفة فيه بحيث يندر فيه استعمال الألفاظ المستحدثة أو المقترضة من
التنوعات اللهجية الأخرى للأمازيغية عدا أمثلة قليلة نذكر منها: تابورت ص 11 من
الامازيغية القبايلية كمرادف لتاكورت الباب أو تامورت الريفية كمرادف لتامازيرت،
كما نجد نماذج معدودة لمصطلحات حديثة مثل أماضال وأمزروي ، بل إن الشاعر لا يجد غضاضة
في اقتراض بعض الألفاظ من المعجم العربي مثل لحرز، إيروح، تاحنينت، تمدينت، فنان،
حاشاك، أمحساد، لغلّات، لحباق..
كما يلاحظ استخدام الشاعر لبعض البنيات
اللغوية المستعارة من الحكاية الشعبية الامازيغية بسوس في العبارات الافتتاحية
للحكي خصوصا في النص ذي الطابع السردي imntri d ugllid، حيث تتميز هذه القصيدة بكونها تحكي
قصة متسول وملك بلغة شعرية يراد منها تصوير التناقضات الاجتماعية والمفارقات
الطبقية، حيث نقرأ:
ddmin
ddmin ayndi
ad agh
ur
imtri
izug ar ittlli
tirmt
is as llant
يلاحظ أيضا غلبة الألفاظ التي لها صلة
بالمعجم الطبيعي في الديوان مما يعطي بعض النصوص نفحة رومانسية، فهي تمتح من
الحقل الدلالي للزهورijjign وعالم النحلagwlif ، فمن هذين العالمين استمد الشاعر الكثير من استعاراته، فيكفي أن
نقرأ نصوصا مثل ajjig umlil أو tumrt لنسبح في عوالم الطبيعة البريئة وينتابنا الحنين النوسطالجي إلى
حضنها الحميمي، ولذا جاءت الصور في النصوص قريبة إلى الأفهام، فلم تغرق في
التجريد، ولا تستدعي تجييش أدوات التأويل بحكم توخي الشاعر البساطة وتلافي الغموض
الموقع في الضبابية التجريدية، غير أننا في بعض القصائد ذات الطابع الفكري التأملي
نقرأ نوعا من التركيبية والتجريدية اللطيفة في الصورة الشعرية، ففي النص الأخيرawal
nk نقرأ مثلا:
is
tufit kiyyin ghassa
ad
tswingimt
asi d
anlli nk
isggwi
ad gan
ad gis
tffit awal ad
ar t
tfrant
asi t
ad ig aqqryan
ad sis
tkkatt
بينما نلمس في بعض النصوص نوعا من
الانحدار إلى مستوى المألوف من التراكيب، بل والتقليدي كما هو الشان في الأمثلة
التالية حيث يتعمد الشاعر استعارة عبارات وصور عهدناها متداولة لدى الروايس وترتبط
بعقلية يتلبس فيها الخرافي بالديني كالطالب والحرز وتادوات، ولاشك أن للشاعر لا محالة
مبرراته في توظيفها، وقد يكون حرصه على الاقتراب من المتلقين بمختلف شرائحهم أحدها،
فنحن نقرأ مثلا في قصيدة تاغازوت (ص23):
ini iyi is d lhrz ad igan i tmukrist
asafar
nsala TTlba mit d ussan
ur ufan aTTan
أو نقرأ في نص yuda gh
tkndawt
taddwat
is a ttinit awal ihrran
ara
angh lhrz
a yjji
waTTan
إن هذا الديوان ينم عن
تجربة واعدة لا يزال صاحبها في زهرة عمره، وسيتاح له أن يصهر موهبته أكثر، وأن
يتيح لها مزيدا من الاختمار والنضج، خصوصا وأنه أبان عن إمكانات في طور التبلور
ستمكنه من تطوير تجربته أكثر للانخراط الكثيف في أفق التحديث، وهو قد ساهم بهذا
العمل بإضافة لبنة أخرى إلى صرح الأدبي الأمازيغي المكتوب يحق لها أن تفخر به
ويفخر بها.
محمد أوسوس