Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Tirrawal
Archives
Tirrawal
Catégories
7 décembre 2010

قراءة في رواية «إجيكن ن تيدي» للكاتب محمد أكوناض

قراءة في رواية «إجيكن ن تيدي» للكاتب محمد أكوناض

بقلم: آيت بود محمد

 

تقديم:

تعتبر رواية "IJJIGEN N TIDI» للأستاذ أكوناض، الرواية الثانية بعد رواية «TAWARGIT D IMIK». وإذ اختار الكاتب هذا التوجه في الإبداع الأمازيغي، فإني أشد على يديه بحرارة. بيد أن ولوج عالم الرواية الأمازيغية، هو من باب المخاطرة والمغامرة، خاصة مع استحضار كل المعطيات ذات الصلة بموضوع الثقافة واللغة الأمازيغية، فأمام غياب لغة أمازيغية معيارية، وتعثر عملية تدريس اللغة الأمازيغية، وعدم الإدماج الحقيقي لها في برامج التعليم العالي والثانوي، دون الحديث عن باقي التحديات، لا يبقى أمام المبدع إلا خوض غمار التجربة بمفرده، محأولا المراهنة على رأسماله الذاتي، ومجهوده الفردي، لتحقيق الرغبة الجماعية، المتمثلة في التأسيس لفن السرد الأمازيغي حديث في كل تجلياته، بدءا من التدوين وحتى الأنخراط في المسار الكوني، محأولا المساهمة في الآداب الكونية، من بوتقة الخصوصية، وإعطاء هذه الآداب نكهة أخرى، هذه الأخيرة سوف لن تكون مع الكاتب غير الرواية الأمازيغية، في عنفوإنها، محأولة أن تنقل إلى الثقافة الكونية نبض الأنسان الأمازيغي، ومعاناته، وآماله وتطلعاته،فلنبجل بكل تقدير واحترام، هذه التجربة الفريدة، ولنهنئ أستاذنا، على هذه العزيمة الراسخة، وهذا الإصرار الذي لا ينثني، في أن يكون المؤسس الحقيقي لفن الرواية الأمازيغية.

في هذه الورقة سوف أحأول رصد التجربة، من خلال رواية «إجيكن ن تيدي»، عبر تيماتها، وخطابها الفلسفي، ودلالاتها الرمزية، لأخلص إلى التأويل الممكن والمحتمل، الذي يقدمه النص الروائي، سواء للدارس أو الناقد، يؤدي إلى توخي العلاقة بين الفعل الروائي، كمجهود فردي متخيل، والمسار الثقافي، كفعل جماعي محرك له.

مكونات النص:

الرواية تتكون من 11 فصلا بالإضافة إلى كلمة شكر، هذه الفصول هي:

تلاليت ن موغا- امالو ن ئمي مرو - تأوايا ن ئزيكيتن- امارك ينقان - ئس ئلا ئكنا تفلوين- ئدريمن سالأنين - للابوس- تكات نايت اكوبان - بيهي ن تدوارت- تافريرت تاروميت- تلقس دوقرغ. وهي عبارة عن مونولوج استرجاعي في الغالب، يعالج من خلاله السارد بواسطة تيمات: الغربة-الجنس/ الأنثى-الحرية -الدين- المأساة-الحكمة، مجموعة من المواضيع الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، التي تثقل كاهله، فأبى إلا التعبير عنها على لسان الراعي/ أسكتي، محأولا تتبع مسار حياته المعقدة، الحافلة بالتساؤلات، والنكبات، جاعلا من حياته تراجيديا الأنسان الأمازيغي بصفة عأمة (المأساة= تاكسنا -Taksna ). بالالتفات إلى عنوإن الرواية «إجيكن ن تيدي» ألا يمكننا القول إنه يختزل رحلة الأنسان الأمازيغي في بادية سوس، نحو تأكيد الذات، فهذه الأزهار التي نراها وقد تفتقت، وأينعت وصارت جميلة المنظر، زكية الرائحة، ألم تسق بعرق أصحابها الذين بذلوا مجهودا جبارا لكي تزهر أزهار حياتهم؟ ألا يشكل ذلك رسالة للأنسان الأمازيغي عأمة، ليبذل مزيدا من التضحية من أجل أن تزهر حياته؟ ذلك ما سنراه من خلال تحليل المتن السردي للرواية.

فضاءات وأمكنة النص:

ولأجل ذلك استعمل السارد مجموعة من الفضاءات تحيل على الطبيعة البدوية، بقسوتها، بأخلاق سكانها، ليضعنا في الصورة الحقيقة لحياة الأنسان الأمازيغي في البادية، في معاناته، آماله وتطلعاته،ثقافته وطريقة تفكيره، هذه الفضاءات هي في البداية:

-فضاء «امكسأون» الرعاة، وهذا الفضاء لن يكون سوى الغابة أو المرعى حيث ترعى الأغنام، بكل معالمه، وتضاريسه، وجغرافيته.

- فضاء «أكوبان» وهو فضاء موبوء، تتنأوبه المصائب والمجاعات الدورية، والصراعات،مما يعطي الأنطباع على أن زمن الرواية يمكن أن يكون هو فترة الأربعينيات من القرن الماضي، خاصة ذكر السارد لنبات كان بمثابة مؤشر للتأريخ في منطقة سوس، عقب المجاعات الدورية التي كانت تصيب المنطقة، هذا المؤشر هو عبارة «اينري امزوارو»، «اينري ويسين» واكوبان عبارة عن بلد يعيش فيه غالبية من الناس هم أقل شأنا، لايتمتعون بالشرف، تعساء وبؤساء جلهم عبيد لدى قلة من الأسياد، يستخدمونهم في ظروف لا يعيرون فيها أدنى اعتبار لأنسانيتهم.

- فضاء تلأن نتغومت: شهد معاناة الراعي/ اسكتي، مكان الرعي، حيث كان يقاسي كل صنوف الحرمان والقهر، شاهد على الحضور القوي للأم.

- فضاء فرنسا وهو فضاء الأنعتاق والفرج من ذل الاسترقاق والعبودية وامتهان الكرامة، وهو فضاء وإن كان يحيل على الغربة والاغتراب، فقد اعتبره السارد، المتنفس الأخير لمعاناته،إحالة إلى اغتراب الذات والوطن.

- فضاء د ووزدوين وهو فضاء شهد التقاء عاشقين هما: «تنسفا لين» و «أحداداي»، وقعت فيه تلك الحادثة التي اعتبرت في إبانها «امتهانا للكرامة» بحيث رقصت «تنسفا لين» وهي زوج أحد الوجهاء وهو سعيد ن ضيق، على إيقاع بندير اكضيض وهو أحد الرعاة «امكسأون» وهي متيمة عشقا بأحداداي.

فضاء: تانوضفي ن كر تسو كوتين: شهد مأساة ذينك العاشقين، تراجيديا من نوع آخر، حيث لقيا حتفهما في ظروف غامضة بحثا عن الحب الحقيقي.

شخصيات النص:

كما وظف مجموعة من الشخصيات، تختلف منطلقاتها الذاتية، والذهنية، وهي تتصارع في دائرة ضيقة من أجل إثبات الذات في بداية الأمر، ومن أجل البقاء في نهاية المطاف، كأمل مشروع يلخص مسالة المعاناة أو تراجيديا الأنسان الأمازيغي في البادية، هذه الشخصيات هي: عدي ن تموجارت- بيهي ن تدوارت- للامماس زوجته- الراعي/ اسكتي أو السارد- تليتماس آخت الراعي- توفلا نايت بارود- أم الراعي- امي مرو/ الكاهنة- موغا/ الفرنسي الذي ساهم في تهجير اليد العاملة من البادية المغربية خاصة في سوس إلى فرنسا في الستينيات من القرن الماضي- خال الراعي- علي ن ئزيكيتن- أمغار- للا عبوس- عدي زوج توفلا- أحداداي/ أو راعي «ئد بيكروإن»وهو رفيق السارد- للا ابا أو الأمة السوداء- ئدر راعي باسكار- تينسفالين -سعيد ن ضيق زوجها - اكضيض- بيهي ؤشاموش- امانوز- اسيل- القائد انفلوس- ابندأوش- سي ودير اداسكو- احيتور – بيحولين- ايت ؤبنكال- ئزيكيتن- بيهي ئد ؤسوإن... وهي شخصيات أصيلة في سياق العمل من أجل إثبات الفكرة الرئيسية للنص المتمحورة حول علاقة الذات بالآخر، في إطار عدم التكافؤ، علاقة يسمها الاختلال منذ البداية، في المنطلقات، والأفكار، وأشكال الحياة، والأدوار التي أريدت لكل شخصية أن تقوم بها، في حين بذل الكاتب مجهودا كبيرا من أجل أن ينقل إلينا نبض هذه الشخصيات، محافظا على تلك الكنيات الشائعة لدى ايمازيغن / في براءة وتلقائية وعفوية الأنسان البدوي، بل وفي مخاتلته ومكره أيضا.

معجم وتراكيب النص:

للاضطلاع بتلك المهمة وظف الكاتب معجما أمازيغيا أصيلا، وأعتقد انه بذل مجهودا كبيرا في البحث عن مرادفات لأسماء وأفعال وأمكنة وشخوص، اندثرت في اللغة الأمازيغية المحكية بفعل تأثير اللغات الوافدة، رحلة البحث المضنية تلك، لم تثن الكاتب أن يبحث في المعجم الأمازيغي في منطقة تامازغا، خاصة القبائلي ليأخذ منه ما يفيده في التعبير المبتغى، وللتدليل على ذلك نأخذ كلمة «تأواشولت» على سبيل المثال لا الحصر، التي تعني الأسرة في القاموس القبائلي، النتيجة أن السارد قدم لنا رواية أمازيغية شيقة وجميلة، ذات معجم أصيل، وتراكيب وأساليب أمازيغية بحتة.

ولذلك لا بد لنا من طرح هذا السؤال: هل يحاول الكاتب خلق لغة أمازيغية معيارية، تقوم بديلا «للمحكي»، لغة راقية ،لغة أدبية شفافة، تمتلك ميكانيزمات التعبير الفصيح، لغة تحمل بين طياتها علامات لغة أدبية رصينة وعبقرية، يمكن تشبيهها بلغة موليير أو فيكتور هيجو في الآداب الفرنسية، ، تستطيع أن تعبر عن كل المشاعر والأحاسيس، وكل الأزمنة والأمكنة، لغة الإبداع الأمازيغي بامتياز؟ وهو عمل كان منوطا بالدوائر العلمية والأكاديمية، والمعامل الفكرية من ذي قبل، بمقدورها حمل أسئلة العلم والثقافة إلى ابعد مدى.

التيمات:

-المعاناة:

ويرمز إليها السارد على لسان الراعي/ اسكتي، من خلال مونولوج استرجاعي تخلل كل فصول الرواية.

يأخذنا السارد عبر هذه التيمة إلى عالم المتناقضات، فضاء العبث واللامعنى، هذا الفضاء هو مكان يدعى «أكوبان»، وهو اسم الدوار الذي ولد وترعرع فيه الراعي/ اسكتي، هذا الفضاء الموبوء، مليء بالمحتالين، والمتوجسين، والتعساء، والبؤساء، والماكرين، قاسى فيه، بكل ضراوة وقسوة، الراعي/اسكتي، في إسار سيده «بيهي ن تدوارت»، من صنوف المهانة والاحتقار والفقر والجوع ألوإنا وصنوفا، قبل أن ينتشله «موغا» من براثن هذا المكان البغيض، لينتقل بذلك إلى حياة الغربة، أيا كانت، فهي بالنسبة له، مؤشر على الفرج والأنعتاق من براثن الفقر والذل، أي الأنتقال إلى الحياة السعيدة والهنيئة.

-الأنثى/الجنس:

من خلال تيمة الأنثى والجنس، يعالج السارد أزمة الشاب الذي هو الراعي/ اسكتي، شاب في مقتبل العمر، في عنفوإنه، يبحث عن أنثى لإشباع نزواته المتفجرة، فلم يجد أمامه غير أمة سوداء، سماها السارد: «تأوايا ن ايت ئزيكيتن»، أو «للا ابا» كما يكنيها الناس، هذه الأخيرة بقدر ما كانت تمنح له جسدها لإطفاء نار نزواته المتأججة، بقدر ما كانت ترغب في الأنتقام من الذات من ذل العبودية، والتشرد، ونظرات الاحتقار، والعار الموسومة به من طرف نساء «أكوبان»، فالعلاقة الجنسية غير المشروعة مع «للاابا»،مع الراعي/ اسكتي، هي بالنسبة لها، نوع من الرغبة في تأزيم العلاقة مع الذات المتأزمة أصلا، بزيادة امتهانها أمام راعٍ يصغرها سنا، أما الراعي/ اسكتي الذي لم يجد غير هذه الأمة، وهو أشد ما يكون في حاجة إلى أنثى، «فللا ابا» بالنسبة له رمز للأنوثة المفتقدة، والألفة، والعطاء، والحنين، ومتنفسا من نير العبودية لدى سيده «بيهي ن تدوارت» والتمرد عليه بالخروج ليلا إلى أحضان الحبيبة.

-الحرية:

«.. تأوايا ؤر تكي أفكان دار ميدن.. تسنت وكان ئس أور اسمومينت تووين..». هذه العبارة التهكمية ذات النبرة الاحتقارية، ووجهت بها، «للا ابا»من طرف أحدى نساء «أكوبان»، الأمة هنا رمز للعبودية والذل والمهانة، في أعين الناس، وهي بقدر ما هي كذلك، بقدر ما تتسم بالاتساخ وعدم النقاء، في حين يروم السارد من خلال تيمة الحرية إبراز نسبية المظهر للدلالة على الجوهر، ونسبية معياري النقاء والصفاء، من حيث كون الأمة وإن كانت سوداء البشرة، متسخة الكرامة والشرف، فهي نقية النفس. مما يعطي لمفهوم الطهارة الذي هو مرادف للشرف، مفهوما مغايرا بالنسبة للسارد، هذه الطهارة النفسية، مرادفة للشقاء والتعاسة، في حين يظل الاستعلاء والعجرفة من شيم الضعفاء.

-الدين:

علاقة جدلية بين الدين والعقل، بين المعقول واللامعقول، التوسل بالأضرحة، وتمجيدها في حالة «امي مرو» كاهنة أكوبان، التساؤلات المحيرة للراعي/ اسكتي، وعقليته الاستفزازية حيال كل ما هو مسلم به، وموروث، بالنسبة «لتوفلا نايت بارود»، أم الراعي/اسكتي، طريقة للتفكير سائدة في البادية بشكل لافت، الأحلام كطريقة لحل المعضلات الاجتماعية ( الزواج- الطلاق..) في مسألة زواج توفلا من الخاطب «حمو ن تفرادت»، هذه المسألة أشار إليها الكاتب الأمريكي بول بولز في روايته «البستان» في تناوله لثقافة سكان جنوب المغرب، من حيث كونهم يلجأون إلى الأحلام والرؤى والمنامات لحل المعضلات الاجتماعية، والاقتصادية، وأحيانا السياسية.

-المأساة:

يجسدها في متن النص اثنان: الراعي/ اسكتي،بسبب المعاناة التي تعرض لها في إسار «بيهي ن تدوارت»، وفقدانه لوالديه في سن مبكرة، وإصابته باليتم، والأمة للاابا بسبب امتهانها من طرف نساء «أكوبان»، وإلى حد ما ثلاثة آخرون هم: الحكيم «امانوز» الرافض لسياسة المخزن، و»تنسفا لين» زوجة سعيد ن ضيق، وهو من الوجهاء باكو بان، وحبيبها «أحداداي»، مؤشر لعلاقة غير مقبولة من طرف العقلية البدوية المحافظة، النتيجة هي اختفاؤهما في ظروف غامضة، تم تفسير اختفائهما غيبيا في بداية الأمر، لينتهي الأمر إلى إغلاق الموضوع في نهاية المطاف، مما يجعل التساؤل العريض مشرعا، حيال فهم الناس واستيعابهم للعلاقات غير المشروعة، ورفضهم إياها بادئ الأمر، وتفسيرهم إياها تفسيرا غيبيا، ثم إقفالهم لموضوعها بدون جدوى لعدم كفاية الأدلة، مؤشر على اللبس والضبابية التي تسود معظم العلاقات الاجتماعية في البادية المغربية.

-الحكمة:

يجسدها «امانوز»،كشخصية تحيل على الرفض والاحتجاج السياسيين من خلال حشده للرعاة/ امكساون، وإعطائهم حبات التمر، في حين كان يحاول أن يزرع فيهم روح التمرد التي كان يشعر بها في داخله تجاه السلطة الزمنية التي هي المخزن، هنا يحضر لي مثال الفيلسوف أفلاطون في حقول اكاديموس مع طلاب الحكمة أو صوفيا بالإغريقية، هذه الروح التمردية، ضد الواقع يناهضها واقع آخر مغاير أو محايث، إنه واقع الوشاية والغدر الذي يجسده احيتور، سيئ النية، والظن، إحالة على إشكالية البؤس والثروة، التي يتموقع المخزن ضمن خلفياتها، بينما يجسد اضطهاد امانوز وعائلته وجلساؤه من طرف المخزن، طرف هذه العلاقة غير المتكافئة بين الواقع والاحتجاج عليه، كلمة الثورة «تاكرأولا»، دلالة على الرفض، بيد أن ثمة دائما أفعى تحيل على الغدر والخيانة يجسدها احيثور هي بالمرصاد للرافضين والمحتجين، ينضاف معطى آخر لإعطاء الجدلية سياقا آخر، استعمال الفقيه للدين لتبرير حالة الاعتقال والاضطهاد التي تعرض لها امانوز (اغاراس ؤر يكين وين تمزكيدا ..)، هنا تبرز إلى الواجهة من جديد مفارقة الفقيه والحكيم، والعلاقة البئيسة بينهما، لتحيل على مفارقة الدين والفلسفة بشكل عام. أو ما اسماه سقراط النهاية المأسأوية للفلسفة، التي تعني في نظره انحدار الناس إلى مستوى السفسطة الأنتهازية التي تستغل كل الموضوعات من أجل تبرير أفعال الحكام، وهنا لابد من الإشارة إلى أن سقراط قتله الحاكم الإغريقي بريكليس،وهو أحد الطغاة الإثني عشر الذين حكموا أثينا على التوالي، والذي كان سقراط ينتقد طريقته في الحكم، أما بالنسبة لفيلسوف الرواية «امانوز» فقد اضطهد من طرف المخزن، قبل أن يقتل في ظروف غامضة، بالنسبة للسارد بؤس الناس يؤدي إلى شراستهم وفقدانهم الأخلاق والحس بالتضامن والاحترام المتبادل.

الدلالات:

الجوع لا يقتل، الحياة بلا معنى هو الذي يقتل الأنسان.. هذه العبارة تعتبر من أحدى الحكم التي كانت تسديها الأم للراعي/ اسكتي للأخذ بيده وتشجيعه على المضي بإصرار في دربه الصعب، وعدم الالتفات إلى ما يثبط عزيمته، بيد أنه بالنسبة إليها فتى لا يضاهى بين أقرانه.والحكمة من حيث هي نابعة من الأم/ التي يمكن أن تحيل على الأرض أو الوطن، لا تشتكي من الجوع، بل من الحياة الفاقدة للمعنى، حياة العبث، التي يعيش فيها سكان أكوبان. هذا المعطى مؤشر مهم يساعد حين ينضاف إلى مؤشرات أخرى على فهم مقاصد النص، التي تنطوي عليها الإيماءات المختبئة في أقوال الشخوص المشكلة للمتن الروائي، نأخذ على سبيل المثال قول الراعي/ اسكتي، وهو يرفض الدخول في مساومة مع غرمائه من أهل أكوبان (كولع أوراسن تاجغ تارداست وواكال).

الرواية في مجملها، عبارة عن مونولوج استرجاعي، (نك ديخف ئنو هللي ايد ئسأوالن ؤرد سي ئسنوكمب يان) يعالج من خلاله السارد بواسطة التيمات المتطرق إليها آنفا، مجموعة من الإشكاليات العويصة التي يتخبط فيها مكان ما تحت الشمس، فوق الكرة الأرضية، هذا المكان اختار له السارد اسم «أكوبان»، بدون النبش في الظروف التاريخية للنص يكفي القول إنه اسم يحيل على البؤس والدونية والاحتقار، هذا المكان بالنسبة للسارد هو مكان اللامعنى، مكان العبث، تعيش فيه جماعة من الناس في إطار علاقات غير متكافئة، رابطها الرئيس عدم الاطمئنان، مكان موبوء يعج بالمصائب، والشرور، تظهر فيه الأم وتختفي كرمز للوطن، في حين يجسد كل من الاغتراب/ الغربة، وغياب الأم، مفارقة هذا الوطن، تختزل الجانب الأنساني في «رواية إجيكنن تيدي»، هذا الجانب الأنساني يحيل على واقع مختل، لا مكان فيه لقيم مثل النبل، والصدق والشهامة، في حين ترمز الأم إلى العفة والكرامة والنقاء، تأتي تيمة البخل/ المال لتحيل على عبودية الناس للمال والثروة وفقدانهم للحس الرفيع، فقدانهم لرأس المال الحقيقي الذي تجسده الحكمة، لدى «امانوز»، والتضامن لدى «بيهي ؤسوإن»، والشهامة لدى «أسيل»، فهم حيال ذلك لا يرون إلا بؤس الراعي/ اسكتي، وثراء «ايت أبنكال». يقوم السارد هنا بعملية استرجاع ( انكلوس) المرأة الغربية، مؤدية الأجور، تؤدي لحظة أداء الأجور إلى الافتقاد/ يدخل السارد من جديد في عملية استرجاع- ليؤكد على أهمية المال/ الراعي/ اسكتي- الذي صار يكنى من طرف سكان «أكوبان»ب تريالت أي البخيل، بعد عودته من فرنسا، وامتلاكه للمال، هنا يتجلى البعد الأنساني في امتلاك المال والثروة، وقيمة الذات بالعمل المأجور- ومقارنة بريق المال أمام القيم والمبادئ- غير أن المال بالنسبة للسارد على لسان ابندأوش قد يعني شيئا آخر، تدل عليه كلمة «أيدا» التي تعني في اللغة الأمازيغية، ما يمتلكه الشخص بين ظهراني أهل بلده من العقارات، وهي إحالة إلى الشرف. بيد أن «أيدا» هو الحرز الذي يحصن الشخص من السقوط في المذلة والامتهان، وهي تحيل بالنسبة للسارد على الأرض والوطن من حيث كونه الدعامة الرئيسية للوجود، تأكيد ذلك على لسان «ابندأوش» وهو زميل للراعي/ اسكتي في فرنسا.( ماخ ونا سول ؤر ئلين أيدا ئلا مقار نيت ئدر؟).

التأويل الممكن والمحتمل:

تلخص الرواية علاقة الأنسان بالأنسان وصراعاته من أجل العيش المشترك، أو من أجل البقاء في نهاية المطاف، ويتخيل السارد لأجل هذه الغاية فضاءات هي نفس الفضاءات، وشخصيات نفسها، من لحم ودم، ومشاعر وآلام وآمال وتطلعات.

الأم ترمز إلى الأرض- المال يرمز إلى العزة والكرامة في حين يرمز الفقر إلى الشقاء والتعاسة – العبودية ترمز إلى الذل- الحرية ترمز إلى الأنعتاق- الأم ترمز إلى الأرض تقابلها ثنائية الهجرة والغربة مع ما لهما من ألم يرمزان إلى التضحية، حب الأم/ الأرض يقتضي التضحية في سبيلها عن طريق عدم الخضوع للآخرين، أهمية الأنسان بالنسبة للام بدون مال، أهمية الزوج للأم بدون مال، غنى النفس، جوهري حيث في بلاد أكوبان يتم تسعير المواطن، واستغلاله، وتشييئه، واستعماله بدون الالتفات إلى إنسانيته.

في حين ترمز العلاقة الجنسية للراعي مع الأمة إلى أن العلاقة مع الجسد يجب أن تكون في إطار عدم الخضوع لنزوته، لأن عكس ذلك يؤدي إلى فقدان الكرامة، امتهان كرامة الجسد بواسطة العلاقات غير الشرعية، يمكن أن يحيل على مسألة امتهان كرامة الإنسان ككل، من خلال الرضوخ للشروط غير الموضوعية لتحقيق اللذة. بيد أن كل كائن بشري على وجه البسيطة لا يسعى إلا من أجل تحقيق اللذة، واجتناب ما أمكن الألم. واللذة هنا لا تقتضي اللذة الجسدية وحسب، بل اللذة بالمفهوم العام الذي يعني العيش في كنف الكرامة الإنسانية.

في بلاد «أكوبان» عوائل ميسورة وأخرى معدمة تتصارع في فضاء موبوء مليء بالمحتالين والخبثاء والأشرار، يؤدي إلى كره المكان، اللصوص والتعساء والمتاجرين بالقيم الإنسانية، يجسد النفاق الاجتماعي وعبودية الناس للمال وفقدانهم للبوصلة الحقيقة التي تؤدى إلى معين الحكمة الصافي، محاولة الاستفهام عن حقيقة الآخر، (ارومين) والاستكناه عن أسباب الاختلاف معهم، معاشرة الأمة السوداء يشكل ألما مضاعفا للنفس، المعذبة بأغلال العبودية والاسترقاق.

تحسن حياة الراعي/ اسكتي بعد عودته من فرنسا، خلق نوعا من الإرباك لسكان أكوبان، المعروفين بعدائهم للفقراء، الذين كان الراعي/ اسكتي وأحدا منهم، أدى بهم إلى مساومته حول تركه الكلام مقابل تركهم له المال، والكلام هنا لا يعني مجرد النطق، بل يحيل على الحق في التعبير بالكيفية التي يريدها الراعي/ اسكتي، الإنسان، بالنسبة للسارد قد يعني الكلام باللغة الأمازيغية، هذا الكائن البشري الذي أريد له أن يخرس وألا يتكلم، مقابل أن يحيى حياة الجماد الفاقد للروح والإحساس، رفض المساومة، وقرر أن يتحدى الآخرين، ودخل في مناظرة علمية مع الفقيه (سي ؤدور اداسكو) سائلا إياه باستفهام، حول هل بإمكان النصارى أن يصلوا إلى سطح القمر؟ هذا التساؤل خلق متاعب جمة له، نباهة الراعي أثارت حفيظة الفقيه، يجسد كل تلك الصراعات الاجتماعية التي تختبئ وراء الدين والعلم، وهي عملية سردية أراد من خلالها السارد النفاذ إلى نقد العقلية المتحجرة للمتدينين المحترفين، ومحاولة خلخلة الذهنية الغيبية الموروثة في شكل تساؤل من نوع آخر حول لماذا لم تستطع «امي مرو» حماية ضريحها من السرقة، الإيمان وتقدير الذات بالنسبة للسارد في نصائح «بوس» المتقمصة لشخصية إلام، توفلا نايت بارود، مسألة إشكالية تنضاف إلى الكم الهائل من الإشكاليات المطروحة لتشكل بدورها عبئا على السارد، لم يستطع التخلص منها إلا بمحاولة جعل الراعي/ اسكتي يتقبل بشكل لا هوادة فيه مسلمات للابوس، حول الإيمان والمعتقدات، بشكل عام.

وتأتي كلمة»تيموزغا»، وهي ليست اعتباطية، مرادفة للشرف والكرامة والحب والإيمان، الذي يتحلى بها الإنسان الأمازيغي، مناقضة لبؤس النفس البشرية وإشكالية البحث عن السمو المفتقد.

فهل حقق الكاتب أية مماهاة بين الواقع والمتخيل، واقع الإنسان الأمازيغي في البادية خاصة، وفي أرضه ووطنه عامة؟ هل استطاع أن يوصل إلى أذهاننا رسالة ما، معنى ما؟ فما هي هذه الرسالة، وذلك المعنى؟

أية علاقة تربط «أكوبان»مع الوطن على مستوى المحاكاة؟ في كل الإشكاليات العويصة التي اختزلها النص في مجموعة من الفضاءات والشخوص، متحدثا بتقنية الاسترجاع، في أغلب الأحيان، وعلى لسانها أحيانا أخرى، عن آمالها، وآلامها، وتطلعاتها، وآرائها، ومعتقداتها، عن شريحة معينة من الناس، لها ما تختص به لنفسها، لكن لها ما تتقاسمه مع المجموعة التي تنتمي إليها.

أعتقد أن الكاتب لم يتجشم عناء الفعل الروائي اعتباطا، وأقرر هنا بدون تردد، أنه نجح – كعادته- في جعل النص يحاكي الواقع، مع ضرورة الإشارة إلى ما يتميز به الفن كفن من تلميح وعدم تصريح، وإلا سقطنا في الابتذال الرخيص.

 

آيت بود محمد

جريدة تاويزا – عدد 121 ماي 2007

Publicité
Commentaires
Tirrawal
Publicité
Derniers commentaires
Visiteurs
Depuis la création 54 864
Publicité